النظر إليها والتمعن بتفاصيلها، طبعا هذا يرتبط بشكل أو بآخر بحالتنا النفسية والظروف التي نمر بها، فقد تأثر بنا الألوان الباردة أو الدافئة، نشعر أنها تمثلنا تحاكي واقعنا.

ولكي نعرف أكثر عن الأسباب التي تجعلنا ننجذب للون أكثر من آخر، لابد من دراسة معاني هذه الألوان في فن الرسم على اعتبارها لغة تعبيرية، يستطيع الفنان من خلالها إيصال أفكاره ومشاعره وأحاسيسه وربما نعرف أكثر من خلال لوحاته ماهي الظروف التي يمر بها وهذا ما سنتطرق له في احدى فقرات هذا المقال، ولكن في البداية دعونا نتعرف على الألوان ودلالاتها:

معاني الألوان

بما أننا نتكلم عن فن الرسم لابد من معرفة الألوان الأساسية التي تشتق منها جميع الألوان والتي تتمثل بـ«الأحمر والأزرق والأصفر»، ومن خلال مزج هذه الألوان مع بعضها بصورة ثنائية على سبيل المثال نحصل على لون ثالث، فعند مزج اللون الأصفر مع اللون الأزرق نحصل على اللون الأخضر وجميع درجاته مع درجات اللون الأزرق تسمي بالألوان الباردة التي ترمز إلى الزرع والبساتين الخضراء والبحار والسماء وما شابه ذلك.

وبمزج الأحمر مع الأصفر نحصل على اللون البرتقالي، وتسمي مشتقات هذين اللونين بالألوان النارية أي أنَّها ترمز إلى النشاط والإثارة كلون الشمس والنار وما شابه ذلك، ، وبمزج الأزرق مع الأحمر نحصل على اللون الأرجواني الذي من خلال مزجه مع اللون البرتقالي نحصل على درجات اللون البني وهو لون الأرض. ويعتبر اللونان الأبيض والأسود ألوان حيادية تستخدم إما بإضافة الأبيض لتفتيح اللون أو الأسود لتعتيمه.

وهنا نستعرض بعض الألوان ودلالاتها:

اللون الأصفر: هو اللون الذي يجذب الانتباه ويُعزِّز المنطق ويتردد صداه من الجانب الأيسر من الدماغ، أي جانب المنطق والإدراك، وبجانب أنَّه لون العقل والفكر فقد أشار العلماء بأنَّه يدل أيضا ًعلى نفاد الصبر والانتقاد، فعندما يرفع العلم الأصفر مثلاً في مباراة كرة القدم يُعدُّ علامةً للتحذير.

اللون البرتقالي: يشع بالدفء والسعادة، لونٌ الدفء والعاطفة ويدل على العطاء وتخطى الأزمات.

اللون الأزرق: لون الثقة والمسؤولية، ويرمز هذا اللون إلى الصدق والإخلاص وتعزيز الاسترخاء الجسدي والعقلي، ولا يفضل أن يثير ضجةًّ أو يحصل على لفت الانتباه، ومن منظور علم النفس يدل اللون الأزرق على الأمن الداخلي والثقة بالنفس كما أنَّه يسعي إلى السلام والهدوء فوق كل شيء.

اللون الأحمر: لونٌ دافىء وإيجابي يدل على روحٍ رائدةٍ وقيادية، ويُعزِّز الطموح والعزيمة، فهو لون الطاقة والعاطفة ويدل أيضا على قوة الإرادة ويمنح الثقة والنشاط، ويرمز للحرب والغضب.

اللون الأخضر: لون النمو ولون الربيع والتجديد والنهضة. فهو يُجدِّد الطاقة المستنفذة، وهو الملاذ للهروب من الحياة العصرية ويساعد على الاسترخاء، ومحبو هذا اللون يميلون للسلام ولديهم القدرة على الحب والعطاء للآخرين.

اللون الأرجواني واللون البنفسجي: الفرق بين الأرجواني والبنفسجي هو أنَّ الأخير يظهر واضحا في ألوان الطيف «قوس قزح» في حين أنَّ الأرجواني مزيجٌ من اللونين الأحمر والأزرق وكلاهما يحتوي على طاقة وقوة الأحمر والروحانية والسلام من اللون الأزرق، وفي معنى الألوان الأرجواني والبنفسجي هما لوني الحالم الذي هو بحاجة للهروب من الجوانب العملية، ومن منظور علم النفس اللون فالأرجواني والبنفسجي لديهما القدرة على التناغم بين العقل والعواطف وبين الفكر والنشاط. وهو ملهم للحب غير المشروط ونكران الذات الخالية من «الأنا»، ويعتبر هذا اللون لون المبدعين في شتي المجالات الفنية والأدبية.

اللون البني: يثير فينا هذا اللون الحنين إلى الماضي وهو لون الأرض والخشب والصحراء وهو نغمات الأرض بدرجاته اللونية التي تجمع بين ألوانه القاتمة والفاتحة بلون الذهب البراق.

الألوان في لوحات الفنانين

نبدأ من «بابلو بيكاسو» الذي مر بمرحلة خلال رسمه اللوحات أطلق عليه «المرحلة الزرقاء» والتي كانت تُشير إلى فترةٍ من الحزن عاصرها وتألم منها، وكذا كانت المرحلة الوردية في حياته تشير إلى السعادة والبهجة.

لوحة ليل النجوم للفنان فان جوخ

أما الفنان «فان جوخ» فقد كشفت لنا لوحته الشهيرة «ليل النجوم» حالته النفسية في تلك المرحلة والتي أنتجها في بداية شعوره بالوحدة والاكتئاب وبداية نوبات الصرع التي كانت تداهمه، مما دعاه لإنتاج لوحاتٍ تضمَّنت سماءً داكنة تظهر بها النجوم كشموسٍ ملتهبةٍ وأصبحت لوحاته أقل إضاءةً بألوانٍ قاتمةٍ واختفى اللون الذهبي الذي أحبَّه وتحوَّل إلى لونٍ برونزيٍ قاتمٍ، كما تحوَّل اللون الأحمر إلى لونٍ بنيٍ علاوة على استخدام الأزرق البروسي في لوحاتٍ عدة تعكس التشتت الذهني والجسدي الذي يعاني منه الفنان.

وفي لوحات الفنان «رامبرانت» نجد أن اللونين البني الغامق والأسود هما الأكثر استخداما، مما يمنح أعماله سمة الغموض والعمق البصري.

الوفاق

انتهی